بما أنّ "سورية" تعتبر من أغنى الدول في العالم بالمواقع الأثرية والدينية فإنّ مناطقها المختلفة تعجّ بالسياح على مدار العام ومن مختلف بقاع العالم، وأهم المناطق التي تنشط فيها حركة السياحة الدينية في "سورية" هي "ريف حلب" حيث يوجد فيها العشرات بل المئات من الأماكن الأثرية الدينية ولمختلف الأديان والطوائف والتي تعود إلى عصور تاريخية مختلفة.
وللتعرّف أكثر على السياحة الدينية في "ريف حلب" التقى موقع eAleppo بالأستاذ "زكريا الحصري" دبلوم تأهيل وتخصص آثار وممثل جامعة دمشق في البعثة (السورية اليابانية) المشتركة التي نقّبت في كهف "دودرية" الشهير في منطقة "عفرين" وسألناه أولاً عن تعريف السياحة الدينية فقال:
«السياحة الدينية تعريفاً هي زيارة السياح للأماكن الدينية المقدسة ومزارات الأئمة والمساجد ومراقد القديسين والأنبياء وكذلك للحج والعمرة».
وأضاف: «تنتشر في "ريف حلب" الكثير من هذه الأماكن التي يقصدها السياح والزوار من أبناء مختلف الديانات سواءً من خارج القطر أو من داخله وقد بُنيت هذه الأماكن الدينية المقدسة في عصور مختلفة، ومن أهم هذه الأماكن: المقدسات المسيحية التي يرتادها السياح المسيحيون من مختلف أنحاء العالم في "ريف حلب" وهي: بقايا حنيّة لأقدم كنيسة مؤرّخة من العام/ 372/ م وهي موجودة في قرية "فافرتين" –"عفرين" التي تقع على بعد/ 7 /كم إلى الجنوب الشرقي من كنيسة القديس "سمعان العمودي" وكذلك أقدم كنيسة لا زالت قائمة بأعمدتها وواجهتها الغربية تسبّح الخالق موجودة في قرية "خراب شمس" في "جبل سمعان" وتعود إلى نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس الميلادي، وكنيسة "جوليانوس" في قرية "براد" –"عفرين" التي تبعد/ 6 /كم إلى الشمال من كنيسة القديس "سمعان العمودي"،
و"براد" هي أكبر قرية أثرية في شمال "سورية" بعد بلدة "البارة" –محافظة "ادلب"، وتضم بقايا آثار رومانية وثلاث كنائس، وقد أُضيف إلى كنيسة "جوليانوس" التي حوّلت من معبد إلى كنيسة عام/ 402 /م جناح شمال الحنية الشرقية ليضمّ رفات قديس عظيم يُعتقد أنّه "مار مارون" المتوفى حوالي/ 410/ م وقد زارت بعثة كبيرة من أتباع الطائفة المارونية في "سورية" و"لبنان" قرية "براد" في الرابع من شهر أيار العام
|
كنيسة في قرية براد - جبل سمعان |
/2002/ حيث أفادت المعلومات بأنّه تم التعرّف على قبر "المارمارون" مؤسّس الطائفة وسيُتخذ من ذلك اليوم من كل عام مناسبة دينية رسمية وستُقام الاحتفالات الدينية السنوية في القرية إحياءً لذكرى مؤسس الطائفة، وإلى الغرب من مدينة "حلب" بنحو / 25 /كم توجد كنيسة "المشبّك" والتي تُعتبر أكمل كنيسة قائمة ولا ينقصها سوى المثلث العلوي لواجهتها الغربية وسقفها الخشبي، وتعود إلى النصف الثاني من القرن الخامس».
وتابع قائلاً: «أمّا كنيسة القديس "سمعان العمودي" فهي درّة كنائس القرى الأثرية وأعظمها وكان يقصدها الحجّاج من كل مكان، تمّ بناؤها على شكل صليب حول العمود الذي عاش في قمته القديس سمعان حوالي/40/عاماً من حياته /386-459 / م، تبلغ مساحتها/ 4800/م2 وطولها من الشرق إلى الغرب/100/م ومن الشمال إلى الجنوب/80/م وقطر قبتها المثمّنة حول العمود/28/م ، ولم يبن أضخم منها في "أوربة" إلا في القرون الوسطى،
كما توجد كنائس هامة حديثة البناء نسبيا لكنّها بُنيت على أنقاض كنائس أو مزارات قديمة تخلّف عنها ففي مدينة "حلب" توجد كنيسة "مار ميخائيل" في "العزيزية" وُجد في أرضيتها عند بنائها أرضية فسيفساء كنيسة من القرن السادس الميلادي حُفظ جزء منها في دار السيد "فتحي أنطاكي"».
«أمّا الأديرة المسيحية –والكلام ما زال له- فقد كانت أسلوباً من أساليب الحياة النسكية الجماعية وغالباً ما كان يؤمّها المؤمنون والزوار لذلك أُطلق عليها اسم مزارات، وقد استمر العديد منها في القرون الأولى للفتح العربي الإسلامي حيث أدّى رهبانها وأساقفتها خدمات جلّى للحضارة الإنسانية عن طريق أعمال الترجمة التي قاموا بها بسبب معرفتهم اللغات اليونانية والسريانية فنقلوا العديد من كتب العلوم والطب والفلك والفلسفة وسواها إلى اللغة العربية، والتي زاد فيها علماء العرب من تجاربهم وأبحاثهم في
|
الجامع العمري في مدينة اعزاز |
عصور الازدهار وأعطوها إلى الغرب عن طريق حروب "الفرنجة" و"جزيرة صقلية" و"الأندلس" لتبدأ براعم عصر النهضة فيه بالتفتح والازدهار، ومن أهم الأديرة في "ريف حلب" أديرة قرية "تيلانيسوس" الثلاثة، تلك القرية التي كان الحجّاج يقضون فيها ليلة قبل التبرك بالعمود وشاغله وهو حيّ أو زيارة العمود والكنيسة بعد وفاة القديس ونقل رفاته إلى "أنطاكية" ثم إلى "القسطنطينية"، وقد أمضى القديس "سمعان" في الدير الشمالي الغربي مدة/ 3 / سنوات ظلّ طيلة مدة الصوم الأربعيني من السنة الأخيرة دون طعام أو شراب...
دير "براد" ويقع إلى الجنوب الغربي من آثار قرية "براد" التي تقع الطريق الموصلة إليها من مفرق طريق "حلب"-"اعزاز" عند قرية "العقيبة" –"الزيارة"- "صوغانة"-"كيمار"، كما تم وصلها عن طريق "كيمار" بقرية "الباسوطة" الواقعة في السفح الغربي لجبل "سمعان"، ويضم دير"براد" برج ناسك وقاعدة وأجزاء من عمود أحد النساك العموديين وكنيسة صغيرة من القرن السادس ومضافة ومعصرة ومقبرة للرهبان، وأخيراً دير "قصر البنات" ويقع عند معبر "باب الهوى" الحدودي –محافظة "ادلب" بين "سورية" و"تركية" وقد أضحت زيارته متعذرة لوقوعه في منطقة الحدود».
وقال متابعاً: «إلى جانب هذه الآثار المسيحية التي تعود إلى فترة الازدهار المسيحي في المنطقة توجد مجموعة من المساجد والمزارات الدينية الإسلامية، ففي مدينة "إعزاز" يوجد جامع قديم يعود إلى تاريخ /120/ هجرية هو "الجامع العمري" أو "جامع عمر بن الخطاب"، أمّا المزارات فهي كثيرة وأهمها: "مزار حنان" قرب قرية "مشعلة" بجانب الطريق العام "حلب" –"عفرين" وهو من أكثر المزارات شهرة في منطقة "عفرين" و"مزار محمد علي" في "راجو" –"عفرين" و"مزار عبدالرحمن بن عوف" و"مزار قازقلي" –"جنديرس" –"عفرين" ومزارات أخرى، حيث تعج في أيام المناسبات الدينية والجمع من كل أسبوع بالمئات من الزوّار
|
مزار يزيدي في عفرين |
الذين يقدّمون فيها الأضاحي والقرابين أملاً في الشفاء من أمراض معينة أو لتحقيق أمنيات خاصّة».
«وأخيراً -والحديث ما زال له- توجد في "ريف حلب" وتحديداً في منطقة "عفرين" العديد من الأماكن الدينية المقدّسة والمزارات الخاصّة بأتباع الديانة اليزيدية، وهي مزارات "بارسة خاتون" و"مزار شيخ حميد" وهما موجودان بالقرب من قرية "قسطل علي جندو" ومزار الشيخ "شرف الدين" في قرية "بافلون" ومزار "الملك آدي" و"جل خانة" في قرية "عرش قيبار" وكلها تابعة لمنطقة "عفرين" كما قلنا والعديد من المزارات الأخرى، حيث يقوم أبناء الديانة اليزيدية بزيارة هذه المزارات في مناسباتهم الدينية الخاصّة».