قالت: ( تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه وناضحه, فكنتُ أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه، وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ, حتى أرسل إليّ أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني ) رواه البخاري ومسلم.
عزيزتي المرأة المسلمة ( هل عرفت من تكون هذه المتكلمة ؟ )
إنها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تصف لنا حالها وعطاءها الذي يوصف بأنه (بلا حدود) و(بلا مقابل).
فقد تزوجت أسماء الزبير بن العوام رضي الله عنه وما كان له مال ولا خادم, وكانت تعيش مع الزبير في بداية حياتها في خشونة من العيش كما رأينا، تعلف الفرس وتسوسه, وتدق للبعير وتعجن وغيرها, ولم يكن عندها خادم ليكفيها سياسة الفرس حتى بعث إليها أبو بكر بخادم فكأنما أعتقها .
وما هي إلا سنوات وفتح الله على زوجها أبواباً من رزقه, وبعد أن كان ليس عنده خادم ( أصبح عنده ألف مملوك ) وأصبح ماله من الكثرة حتى ( أقتسم على أربعين ألف ألف )
ولكن قبل أن يرزقه الله تعالى هذا الرزق الوفير؛ وقفت أسماء بجانبه وساعدته بما تملك من طاقة وقوة, وصبرت الصبر الجميل الذي يصاحبه الرضي بقضاء الله, والثقة فيما عند الله .
ولا شك أن عطاء المرأة يحتاج إلى الصبر, وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس: (( وأعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً )) سنن الترمذي
ذات النطاقين
وهذا موقف آخر من عطاء أسماء بنت أبي بكر وهو موقفها في الهجرة
حيث كانت تحمل الزاد والسقاء والأخبار من مكة إلى غار ثور, وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات النطاقين لأنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبيها يوم الهجرة من مكة إلي المدينة زاداً وسقاءً –القربة وغيرها مما يوضع فيه الماء – فلما لم تجد ما تربطها به شقت نطاقها – ما تشد به المرأة وسطها – شقين، فربطت بأحدهما المزود وبالثاني السقاء, ففازت بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدلها الله منهما نطاقين في الجنة.
لقد ضربت أسماء رضي الله عنها مثلاً حياً ونموذجاً رائعاً لتقتدي به النساء من بعدها إلى يومنا هذا ، وذلك بصبرها على شظف العيش مع زوجها، والحرص على مرضاته وطاعته، والقيام بخدمته دون تأوه أو ضجر خير قيام.
وما تركت البيت لتشتكي لأهلها زوجها الفقير، فاقد الإمكانيات والترف، ولكنه الإيمان عندما يستقر في القلب استقراراً صادقاً.
فكم من النساء تمردن على الحياة المتواضعة وغير المتواضعة مع أزواجهن, حتى سلكن طريق الشيطان لتحقيق رغباتهن الدنيوية الزائفة، فهجرن الأزواج والأولاد حتى دُمرّت الأسرة ، وصفحات الجرائد والمجلات يومياً تصور لنا هذا الواقع الأليم.
إن القناعة تضفي على النفس الرضا والسعادة والطمأنينة، وتورث صاحبها عزة فلا يقبل الهوان، ولا ركوب الحرام للاستكثار من المنافع المادية .
عطاء لكنه مختلف
يقول عبد الله بن الزبير أبن أسماء بنت أبي بكر عن أمه وخالته عائشة بنت أبي بكر: ( ما رأيتُ امرأتين قط أجود من خالتي عائشة وأمي أسماء، لكن جودهما مختلف, أما خالتي فكانت تجمع الشيء إلي الشيء، حتى إذا أجتمع عندها ما يكفي قسمته بين ذوي الحاجات، وأما أمي فكانت لا تمسك شيئاً إلى الغد )
فكانت أسماء كريمة معطاءة وسخية تبذل المال والجهد والطاقة للآخرين .